ما لبث هارفي أن حول ضواحي تكساس الساحلية إلى خرائب تجري من فوقها الفياضانات حتى تبعته إرما و هي تجوس خلال جزر الكاريبي، مقطعة بذلك كل ما في طريقها إربا إربا. تلك الأعاصير الفتاكة لم تكن حكرا على حوض الأطلسي فقط، بل كان للفليبين و تايوان و سواحل الصين و اليابان و غيرهم من جيران الهادي نصيب من الدمار
و في خضم المعمعة، تتجه أصابع الاتهام إلى الارتفاع المُلفت في درجات حرارة المحيطين الأطلسي و الهادي على حد سواء، و اللذان بدورهما كانا السبب في ذوبان جليد القطب الشمالي بوتيرة أسرع مما كنا نخشى، معلنين بذلك بدء الزلزال المناخي على سبيلين المعنى و الحرف
طبعا، تلك المخاوف بشأن غضب الطبيعة الناتج من الاحتباس الحراري ليست بالشيئ الجديد، فقد نُشرت دراسات مفصلة لا تُعد و لا تُحصى عن تلك الظاهرة و كل ما يخصها من أسباب و نتائج و علاجات. أما على الصعيد الفني، فصُورت أفلام و وثائقيات كثيرة لتنبه الرأي العام عن ما تكمنه الطبيعة من كوارث إن هي اختل توازنها المُقدر ربانيا. أحد تلك الأفلام (الحريق القادم) كان قد عُرض في العام 1993، و كانت أحداثه تدور في مستقبل مرعب، 2017 على وجه التحديد، حين تمكنت الأعاصير المتوحشة من الكاريبي و خليج المكسيك، و تمكنت حرائق الغابات من كاليفورنيا، و تمكن الجفاف من الولايات الأمريكية المتجاورة
و لم تشأ الأقدار إلا أن تصدق النبوءة: فها هم هارفي و إرما و كاتيا و خوزيه يولدون من رحم حوض الأطلسي ليعيثوا فسادا في سواحل الأمريكية شرقا، و ها هي الحرائق تلتهم غاباتها غربا. و لم ينس الجفاف، فوق كل ذلك، أن يحل ضيفا ثقيلا في مناطق عدة في الغرب و الجنوب الغربي
أما الشرق الأوسط، فتلك رواية أُخرى: في السنتين الماضيتين، و بحسب ناسا، عانى الشرق الأوسط من أشرس جفاف مر به على مدى تسعمئة سنة خلت
الحريق القادم؟ الحريق الآن